إليكم القصة :
في أحد زيارات قيس لأخواله ، اشتد به الحر فشعر بالظماء ، فوقف على خيمة والرجال غائبون ، فطلب ماء فبرزت له لبني فسقته واعجب بها ، وطلبت له أن يستريح عندهم حتى تخف وطاه القيظ( الصحراء) فلبها وتحادثا ، فملكت عليه فؤاده . وملك عليها فؤادها ، وقدم أبوها فرحب به ونحر له ، واحتفي وأكرمه . وانصرف قيس وقد غلب عليه الهوي . فأنطقه شعر وراه الرواة ، وشاع في المجالس .
ونأتي هنا كي نقول أن الحب العذري قد وصل إلى اللقاء وهذا شئ كبير ؟وتزوج قيس من لبني ويجتمع شمل المحبين ، ويقيمان أمدا في ظل السعادة ورافه وهناء متصل . ولكن قيسا وحيد والدية الثريين – ينسبة حبه للبني وزواجه منها كل شئ أخر في حياته .فتغضب أمه لما تري من اغتصاب امرأة أخري له فتكيد لزوجته وتتفنن في الإيقاع بينهما .. وخاصة
أن لبني لم تنجب من قيس ويستمر الحال على هذا عشر سنوات ، ويجتمعون عليه أبوه وقومة ناصحين له بالزواج من أحد بنات عمه لعل الله يهب له ولد يرث ثروه الاسراه من بعدة . ولا ستجيب لهما قيس .. فيأتيه القوم يعظمون عليه الأمر حتى استطاعوا أن يجعلوه يطلق لبني فيطلقها . في لحظة ضعف قاتله .
ثم لا يلبث قيس أن يستشعر وقع الفجيعة ، فجيعته في حبه ويحس بالفراغ الذي خلفته لبني في حياته ، واللوعة التي ملكت كل جوانحه فينطلق لسانه بالأشعار الباكية .
وها نحن نقف إمام قصة من قصص الحب الذكري بطلها عاش مستهيل القرن الأول الهجري – فالروايات تذكر لنا أن قيسا ولد بين عامي أربعة وسته للهجره واختلطت قصتهما بما تمتلي به من حكايات الأشعار . ونجد في شعر قيس لبني مقطوعات ينتزعها مع مجنون ليلي ‘ فضلا عن قصائد أخري ينتزعها مع جميل وبثينه وابن الدمينة وكثير عزة وعروه بن حزم .
اما في شعر قيس بن ذريح ما نجدة في شعر العذريين من رقه وجزاله وعاطفة صادقة مشبوبه .. و أطول قصائدة واشهرها هي قصيدته العينية والتي نطالع فيها صوره صادقة لحبة العميق للبني متظمنة ندمة ( كما قلت لكم الحب العذري يخلو من الندم ) ؟ (وأي معلومه أخوكم مستعد للرد عليها ….) ولوعته بعد طلاقها ولكن هيهات ينفع الندم ، إن خلاصة الوحيد في البكاء ..وبث شجونه ولوعة هيامة خلال أبيات يرسلها وقد حملت زفرات من سعير قلبه حرارة معاناته .
ويقول قيس في طلعها .
عفا سرف من اهله فسراوع **** فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
لعل لبني أن يحم لقاؤها **** ببعض البلاد أنا ما حم واقع
بجزع من الوادي خلا عن انيسه **** عفا وتخطة العيون الخوادع
ولما بداء منها الفراق كما بدا **** بظهر الصفاء والصلد الشوق الشوائع
اتبكي على لبني وانت تركتها **** وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شئ ندامة**** إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لامر حاول الله جمعه **** مشت ولا ما فرق الله جامع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوي **** ضجيع الاسي فيه نكاس روادع
فلا خير في الدنيا إا لم توتنا **** لبني ، ولم يجمع لنا الشمل جامع
ألست لبينى تحت سقف يكنها **** وإياي هذا إن نات لي نافع
فقد كنت ابكي والنوي مطمئنة **** بنا وبيكم من عالم ما البين صانع
فيا قلب صبرا واعترافا لما تري **** ويا حبها قع بالذي انت واقع
أحل على الدهر من كل جانب **** ودامت فلم تبوح على الفجائع
فمن كان محزونا غدا لفراقنا **** فملآ قلبك لما هو واقع
وهكذا استطاع الواشون أن يبعدو قيس عن حبيبته لبني وها هو يتجرع ما قد تجرعة من سبقه من عاش هذا الحب الطاهر ،ويكتب عليهما القدر الفراق المرير والبكاء الطويل فرحماك بنا يأرب .
كثير عزة
ثم ننتقل إلى من عاش هذا الحب مع كثير وعزه
هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعي شاعر حجازي من شعراء لعصر الأموي ، ويكني أبا صخر ، واشتهر بكثير عزه نسبه إلى محبوبته عزه التي قال فيها شعر في الغزل والتشبيب .والعزه في اللغو هي بنت الظبية
، أما عزه هذه فهي بنت خميل بن حفص وكنيتها أم عمر وكان يطلق عليها أيضا الحاجبة نسبة إلى جدها الأعلى .
وقد قيل عن كثير انه اشهر شعراء الآلام في زمانه
وقد كان وصفة انه قصير شديد القصر ومن هنا كانت تسميته بكثير
على سبيل التصغير : وياريت كثير يطوف بالبيت فمن حدثك انه يزيد عن ثلاثه أشبار فلا تصدقة . وكان كثير إذ ادخل علي عبد الملك بن مروان – الخليفة الأموي يقول طأطي راسك حتى لا يصيبه السيف ويصرخ كثير نفسه بهذا القصر في شعره فيقول
,أن أراك قصيرا في الرجال فأنني إذا حل أمر ساحتي لطويل ويضفون انه كثير لاعتداد بنفسه ، كثير العجب والزهو والخيلاء
ويتفنن الرواة في صياغة أخباره وقصصه مع محبوبته عزة ، وكيف بدأ تعشقه لها ، فيقولون انه مر ذات يوم بنسوه من بني حمزة ومعه قطيع أغنام فأرسلن إليه عزة وهي بعد صغيره فقالت له : تقول لك النسوة بعنا كبشا من هذه الغنم ، أنسئنا بثمنه إلى أن ترجع – أي أمهلنا في دفع ثمنه حتى تعود –فأعطها كثير كبشا ، ووقعت هي في قلبه موقعا عظيما ، فلما رجع جاءته امرأة منهن بدرهمه فقال لها : أين الصبية التي أخذت مني الكبش ؟ قالت وما تصنع بها ؟ هذا درهمك ، فقال : لا اخذ درهمي إلا ممن دفعت إليه : وانصرفت وهو ينشد
قضي كل ذي دين فوفى غريمه**** وعزة ممطول معني غريمها
فقلن له : أبيت إلا عزة أبرزنها له وهي كاره ثم أنها احبيه بعد ذلك أشد من حبه لها .وكما روي أن عبد الملك بن مروان سأل كثير عزة عن أعجب خبر له مع عزة فقال : يا أمير المؤمنين حججت ذات سنة وحج زوج عزة معها ولم يعلم أحد بصاحبه ، فلما كنا ببعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعام لرفقته فجعلت تدور الخيام خيمة خيمة حتى دخلت إلي وهي لا تعلم إنها خيمتي وكنت أبري سهما ، فلما رأيتها جعلت أبري لحمي وانظر اليها حتى بريت ذراعي وأنا لا اعلم به والدم يجري ، لما علمت ذلك دخلت إلي فامسكت بيدي وجعلت تمسح الدم بثوبها ، وكان عندي نجئ سمن ( وعاء سمن) فحلفت لتأخذه فأخذته ، وجاء زوجها فلما رأي الدم سألها عن خبره فكاتمته حتى حلف عليها لتصدقنه فصدقته فضربها وحلف عليها لتشتمني في وجهة فوقفت علي وقالت لي وهي تبكي : يا ابن (…)أنشدت
خليلي هذا ربع عزه فعقلي**** قلوصيكما ، ثم ابكيا حيث حلت
ومسا ترابا كان قد مس جلدها**** وبيتا وظلا حيث باتت وظلت
وما كنت ادري قبل عزة ما البكا**** ولا موجعات القلب حتى تولت
أناديك ما حج الحجيج وكبرت **** بفيفا عزال رفقة واهلت
وما كبرت من فوق ركبة رفقة **** ومن ذي عزال أشعرت واستهلت
تمنيتها حتى إذا ما ريتها **** رأيت المنايا شرعا قد أظلت
فلا يحسب الوشون أن صبابتي **** بعزة كانت غمره فتجلت
فو الله ثم الله ما حل قلبها **** ولا بعدها من خله حيث حلت
فيا عجبا للقلب كيف اعترافه **** وللنفس لما وطنت طيف ذلت
واني وتهيامي بعزة بعدما**** تخليت مما بيننا وتخلت
فانسأل الواشون فيم هجرتها**** فقل نفس حر سليت فتسلت
وكما يضيف الرواه أن عدد من النساء اللواتي شيعنه عند موته كان اكثر من عدد الرجال ، وكن يبكينه ويذكرن عزة في ندبهن .. وكانت وفاته في خلافه يزيد بن عبد الملك سنه خمس ومائة من الهجرة .
عنترة وعبلة
قصة حبة قد تكون عذرية لاكنها حصلت في العصرالجاهلي
هو عنترة بن شداد بن قراد أحد أفراد قبيلة عبس , ولد من أم حبشية فجاءت بشرته كاحله السواد حتى عد من اغرب العرب ، وقد تنكر له والده في مطلع حياته ، ولم يلحقه بنسبة شانه شان أبناء الإماء لا يعترف بهم آباؤهم إلا إّذا ذاع لهم صيت يغنون به عن النسب ، وقد دفع عنترة إلى رعاية الأغنام والإبل ، يحيا حياه قاسية ، ظلمة جاحدة ، يلقي احتقار القوم بمضض وتمرد وهو لا يبرح يتوقع واقعة ممكنة من إظهاره تفوقه وبطولته وحاجة قبيلته إلى قوه ساعده .
ولم يلبث عنترة أن فتن بابنة عمه (عبلة ) التي لا سبيل لها ،يمنعه من الوصول إليها سواد لونه واحتقار عمه وسائر أفراد القبيلة له . ولم يقبل عنترة هذا المصير فاعلن عصيانه ، وتمرد على واقعة وجعل حياته سلسله من التحدي ، جاعلا قيمة المرء في أفعاله وقدرته الخاصة ، وسعى إلى الحرية ، وأبى أن يعاقبه المجتمع على أمر لا يد له فيه ، ولون لا دلاله إنسانية له . حتى تنازل الكثير من ساده القبيلة واعترف بنسبه أخيرا ، ولكن عمه رفض أن يزوجه عبلة فضل يهيم بها ويكتب الأشعار . وعبلة أخذها أبوها من القبيلة وهاجر بها وبقي عنترة يقتفي أثرها فلا وصل إلى مطلبه حتى لاقى حتفه .
ومن أحد قصائده الرائعة نأخذ مقتطفات يقول في مطلعها :-
هل غادر الشعر من متردم**** هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجوى تكلمي**** وعمى صباحا دار عبلة واسلمي
إن تغدفي دونى القناع فانني ****طب بأخذ الفارس المستلئم
أثني علي بما عملت فانني ****سمح مخالطى إذا لم أظلم
ولقد ذكرتك والرماح نواهل****مني وبيض الهند تقطر من دمي
هلا سألت الخيل با ابنه مالك ***ان كنت جاهله بما لا تعلمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها****لمعت كبــارق ثغرك المتبسم
يدعون عنتره والرماح كنها ****أشطان بئر في لبان الادهم
مازات أ رميهم بثغرة نحره****ولبنانه حتى تسربل بالدم
هكذا يظل الحب العذري مستحيل ان نجدة في هذا الزمن المرفرف بأجنحة في عالم الضياع