يختارون دينا واحدا والأسباب تختلف
حسين إسماعيل وخليل قودي
الحاج إبراهيم شيوه تيان لي، إمام مسجد نيوجيه النمط المعماري الصيني لمسجد نيوجيه
سائحون من مقاطعة تايوان في المسجد القبران القديمان للشيخين المسلمين
الحاج إبراهيم شيوه تيان لي، إمام مسجد نيوجيه، أشهر المساجد في بكين، إن لم يكن في الصين كلها، نموذج للمئات من الأئمة في الآلاف من مساجد الصين. الإمام الذي تجاوز السبعين من العمر، عضو باللجنة الدائمة للمجلس الشعبي المحلي لبكين، ونائب رئيس الجمعية الإسلامية بالعاصمة. "الصين اليوم" التقت الإمام إبراهيم في محاولة للاقتراب من عالم المسلمين الخاص في هذه البقعة المميزة ذات النكهة الإسلامية في بكين، وقد دار معه هذا الحديث. الظروف,
عدد المصلين يزيد الظروف
,الصين اليوم: متى انتقلتم إلى هذا الحي؟ الظروف,
الإمام: انتقلت من مسجد تشيان مون إلى مسجد نيوجيه عام 1994. قبل ذلك، كنت أعمل في مسجد دونغسي ومسجد نيوجيه أيضا. الظروف,
الصين اليوم: كم عدد المسلمين في بكين؟ وكم عددهم في حي نيوجيه؟ الظروف,
الإمام: في بكين 250 ألف مسلم، منهم أكثر من عشرة آلاف في نيوجيه. الظروف,
الصين اليوم: ما هي واجبات الإمام في المسجد عادة؟ الظروف,
الإمام: أهم واجبات الإمام في مسجدنا هي أداء الشعائر الدينية والواجبات الشرعية داخل المسجد وخارجه، ومن ذلك أنه يؤم المصلين، ويعظهم ويلقي الخطبة ويلبي الاحتياجات الدينية للمسلمين المقيمين حول المسجد والتابعين له فيشرف الإمام على عقد القران ومراسم الجنازة وإحياء ذكرى الموتى حسب الشريعة. الظروف,
الصين اليوم: في العادة من يخطب يوم الجمعة؟ هل كلهم يعرفون اللغة العربية؟ الظروف,
الإمام: في مسجدنا ستة أئمة، يلقون خطبة الجمعة بالتناوب. وكلنا درسنا اللغة العربية, ولكن المسلمين في منطقتنا لا يفهمون العربية, ولهذا تكون الخطبة الشرعية فقط بالعربية، ولكننا نتكلم الصينية في الحياة اليومية وفي الشؤون الدينية الأخرى. الظروف,
الصين اليوم: في رأيك، ما الفرق بين الذين يأتون لأداء الصلاة حاليا وقبل عشر سنوات؟ هل العدد يزيد أم يقل؟ الظروف,
الإمام: أصبح عدد المصلين أكثر من قبل. كان عدد الذين يأتون للصلاة قليلا لأسباب معينة، ولكن بعد أن انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج منذ نهاية السبعينيات لم تعد الصلاة في مسجد نيوجيه قاصرة على المسلمين المقيمين بالحي فقط, بل يأتيه المسلمون من كافة أنحاء البلاد، مثل أبناء المقاطعات الأخرى الذين يقومون بالتجارة في العاصمة. ويجذب هذا المسجد المسلمين الأجانب للصلاة بشهرته وتاريخه وتغيراته الرائعة في السنوات الأخيرة. في العادة يكون عدد المصلين بين مائة ومائتين أما في يوم الجمعة فيتراوح عدد المصلين بين ستمائة وسبعمائة. يكون عدد الشباب المسلمين الذين يؤدون الصلاة قليلا بسبب العمل والدراسة في النهار, ولذلك, قليل منهم يؤدون صلاة العصر والعشاء فقط. في الماضي, عدد المصلين ليس كثيرا حتى يوم الجمعة, ولكن الآن, عدد الشباب القادمين من شمال غربي الصين إلى بكين للعمل أو التجارة يزداد وهم يودون أداء الصلاة حتى وإن اعتذروا عن عدم أداء العمل. الحال في الصين يختلف عن بعض الدول العربية. لقد زرت السعودية ورأيت كل الناس يتوقفون عن العمل للصلاة عندما يسمعون نداء "الله أكبر". أما مسلمو الصين لا يستطيعون التوقف عن العمل في النهار لأداء الصلاة, فيصلون بعد انتهاء العمل. الآن, تتغير هذه الحالة تدريجيا وخاصة من جانب الشباب المسلمين القادمين من شمال غربي الصين. الظروف,
الصين اليوم: من يتولي كتابة الخطبة وإعدادها؟ هل كل إمام يكتب خطبته بنفسه أم أن هناك خطبة تعمم في كل أنحاء بكين؟ يعني أنا عندما أصلي في مسجد نيوجيه أسمع نفس الخطبة التي في مسجد حي سانليتون (حي السفارات الأجنبية)؟ الظروف,
الإمام: نعم, نفس الخطبة ونفس النسخة بالعربية التي تلقى من على المنبر. بالإضافة إلى شرح الأئمة للقرآن الكريم والحديث باللغة الصينية. الظروف,
الصين اليوم: نلاحظ أن الخطبة التي تلقى في المساجد قديمة جدا، كأن الحياة ليس فيها جديد. لماذا لا تجدد الخطبة؟ الظروف,
الإمام: نعم, هذا من التقاليد، ولكن مواضيع التفسير والشروح باللغة الصينية قبل إلقاء الخطبة تكون أكثر. الظروف,
الصين اليوم: ما هو الفرق بين حياة المسلمين الدينية في عام 2004 والحياة الدينية قبل عشر سنوات؟ الظروف,
الإمام: هناك تغيرات كثيرة في ثلاث مجالات. الأول, عدد المصلين قبل عشر سنوات كان قليلا بسبب انخفاض مستوى معيشة المسلمين في تلك الفترة, كان يسعون وراء رزقهم لإعالة أسرهم. كان المسلمون في الماضي يعتقدون أن الحياة أهم من الصلاة. كان المسلم في حي نيوجيه يسمونه "صاحب السكينين", سكين قطع اللحم، وسكين قطع الكعك، في وصف لمن يقوم بالتجارة الصغيرة في بيع المأكولات الإسلامية ولحم الغنم والبقر. الآن, يشتغل أبناء هوي المسلمون في هذا الحي بأعمال مختلفة. ويحصل المسنون على معاشات بعد التقاعد. لذلك, يزداد من عدد المصلين المسنين يوما بعد يوم. طبعا, يقل عدد الشباب في صلوات النهار نسبيا. وعادة, عدد المصلين في صلاة الفجر والعشاء أكثر من الظهر والعصر والمغرب. ويشهد التغير الثاني في "وفد الحجاج". يزداد عدد الحجاج، كان عشرينا في الفترة الأولى بعد تحرير البلاد ووصل أكثر من خمسة آلاف في السنوات الأخيرة. وإذا لا تحدد الجمعية الإسلامية الصينية عدد الحجاج سيكون العدد أكثر سنة بعد سنة. وتنظم الجمعية أعمال الحج كل سنة الآن. من يريد أداء الحج في العام التالي عليه أن يتقدم بطلب للجمعية في السنة الحالية. الآن, عدد الطلبات أصبح أكثر. مسلمو الصين يتجهون من مختلف الأماكن إلى مكة المكرمة، من بكين وشينجيانغ وخنان الخ. البعض يذهب عبر الحج السياحي. الثالث, تم ترميم كل مساجد الصين، فقد تم ترميم مسجد نيوجيه أربع مرات خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة: المرة الأولى في عام 1955, الفترة الأولى بعد تحرير البلاد حيث تم ترميمه ضمن إنقاذ الآثار الإسلامية. المرة الثانية في عام 1979 حيث أعيد تمويهه بالذهب وتزيينه بالزخارف والرسوم بصورة كاملة, مما جعله أكثر ألقا ورونقا. المرة الثالثة في عام 1996 بمناسبة الذكرى الألفية لتأسيس المسجد حيث تكلفت عملية الترميم ثلاثة ملايين يوان (حوالي 360 ألف دولار) تحملتها حكومة بكين. وخلال مشروع تجديد البنايات القديمة وتوسيع الشارع منذ عام 1997 حتى الآن, شهد مسجد نيوجيه تغيرات جديدة. ونعتبر أن هذه الفترة من التوسيع المرة الرابعة لترميم المسجد بصورة كاملة. الظروف,
صينيون يشهرون إسلامهم الظروف,
الصين اليوم: أنتم إمام داعية, هل يدعو المسجد غير مسلمين إلى الإسلام؟ وهل هناك أشخاص غير مسلمين من غير أبناء الأقليات العشر المسلمة يأتون إلى المسجد لإشهار الإسلام؟ الظروف,
الإمام: نعم, ندعو غير المسلمين إلى الإسلام لأن لكل مواطن صيني حرية الاعتقاد الديني حسب دستور الصين. كل سنة, العشرات من غير مسلمين ينضمون إلى الإسلام في هذا المسجد ويؤدون الصلاة فيه. وهم ليسوا من قومية هان فقط, بل من قوميات مان ومنغوليا وكوريا الخ. الظروف,
الصين اليوم: يلاحظ بين المسلمين الصينيين, أنهم يظنون أن الإسلام فقط لهذه القوميات العشر التي تعتنق الإسلام. هذا يجعل, مثلا أبناء قومية هان, يشعرون أن الإسلام ليس لهم, إنما لأبناء القوميات العشر فقط, مع أن الإسلام لكل الناس, لماذا هذه الظاهرة؟ الظروف,
الإمام: نقول "القوميات العشر المسلمة" حسب تنوع القومية. في الواقع في كل قومية تقريبا أشخاص يعتنقون الدين الإسلامي, فأبناء قومية هان أو قومية منغوليا لا يعتنقون البوذية فقط, منهم من يعتنق الطاوية والكاثوليكية والبروتستانتية الخ. قال لي البعض إنهم كانوا يعتنقون البوذية أولا, ثم المسيحية, ولكن في النهاية اختاروا الإسلام دينا. الظروف,
الصين اليوم: ما هي الأسباب التي تجعل هؤلاء الناس يعتنقون الإسلام؟ هل هي أسباب نفسية، اقتصادية؟ الظروف,
الإمام: أسباب مختلفة. يسلم بعضهم من أجل الزواج من أجانب وخاصة النساء الصينيات من غير المسلمات اللاتي يتزوجن مسلمين يعملون في الصين، من مصر أو اليمن أو إيران الخ. ويسلم بعضهم ممن تزوجوا في فترة الثورة الثقافية التي استمرت من عام 1966 إلى 1976، وخلالها أغلقت المساجد أبوابها ولم يكن هناك إمام مسؤول عن الشعائر الدينية. اليوم، يريدون إعادة هذه الإجراءات الدينية. ويوجد شباب ينضمون إلى الإسلام، من طلاب الجامعات والمعاهد العليا مثلا طلاب جامعة القوميات. فالطالب غير المسلم من خلال تعامله مع طالب مسلم تتكون صداقة بينهما، ويريد الطالب غير المسلم أن يواصل دراسته مثل صديقه المسلم في دول إسلامية, مثلا ماليزيا وباكستان وإيران, فيأتي ليشهر إسلامه. الظروف,
الصين اليوم: ما هي أغرب حالة لشخص جاءك لإشهار إسلامه؟ الظروف,
الإمام: هناك من يأتي لإشهار إسلامه ليس بسبب الزواج أو الدراسة، فقط بدون سبب! الظروف,
في جولة لنا داخل مجمع المسجد رأينا قبرين قديمين لشيخين مسلمين، الأول قادم من بخارى اسمه علي بن القاضي عماد الدين البخاري والثاني قادم من مدينة قزوين اسمه أحمد البرطاني القزويني، وهما من شيوخ الإسلام الذين جاءوا إلى الصين لنشر الإسلام وتدريس علوم الدين في بداية أسرة يوان (1271 - 136. وتنتصب بجوار القبرين شاهدتان عتيقتان عليهما كتابات عربية. هذا دليل على مساهمة مسلمي بكين في الحفاظ على الآثار الإسلامية التي يرجع تاريخها إلى سبعمائة سنة. وعند خروجنا من بوابة المسجد, دخلت مجموعة من السائحين الشباب من مقاطعة تايوان ومعهم مرشد سياحي. قالوا إنهم غير مسلمين ولكنهم يعرفون مسجد نيوجيه من دليل سياحي حصلوا عليه في تايوان، وقد حرصوا على زيارة هذا المسجد ومعرفة المزيد من المعلومات عن الدين الإسلامي. وقالت فتاة من المجموعة إن الطراز المعماري للمساجد في تايوان يشبه الطراز العربي، فهي ذات قبة ومئذنة عالية. وأضافت أنها تفضل النمط المعماري لمسجد نيوجيه لأنه مشيد على الطريقة الصينية. قال الإمام إنه مع تحسن الظروف, أصبح المسجد مزارا سياحيا يأتيه السائحون غير المسلمين من بكين ومن المقاطعات الأخرى.
السبت ديسمبر 13, 2008 7:28 pm